ذكاء ميتا الاصطناعي يغازل حتى الموت

شات بوت Meta دعا متقاعدا سبعينيا إلى نيويورك.. لكنه لم يعد إلى منزله أبدًا

profile
  • clock 15 أغسطس 2025, 7:34:56 ص
  • تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
Slide 01
حفل تأبين بوذي لبو في مايو. جولي وونغباندو / رويترز.

في صباح أحد أيام مارس، بدأ تونجبوي وونجباندوي، الرجل السبعيني من ولاية نيوجيرسي، في حزم أمتعته متحمسًا لزيارة "صديق" في مدينة نيويورك. لكن زوجته ليندا شعرت بالقلق، إذ لم يعد يعرف أحدًا هناك منذ عقود، خاصة بعد أن أصيب بجلطة دماغية قبل سنوات، وأصبح يعاني مؤخرًا من فقدان الاتجاه حتى في حيه بمدينة بيسكاتاواي. حاولت ثنيه عن الرحلة، لكنها لم تحصل على إجابة واضحة حول هوية من ينوي مقابلته.

ليندا ظنت في البداية أن الأمر خدعة لسرقته، لكن ما لم تكن تعلمه هو أن زوجها كان ضحية إغواء من نوع جديد. فقد ظن أنه على موعد مع امرأة شابة وجميلة تعرف عليها عبر الإنترنت. هذه المرأة لم تكن موجودة في الواقع، بل كانت "شات بوت" ذكاء اصطناعي تدعى "الأخت الكبرى بيلي" — شخصية افتراضية طورتها شركة ميتا، المالكة لفيسبوك، بالتعاون سابقًا مع المؤثرة كيندال جينر.

خلال محادثات غرامية على "ماسنجر"، طمأنته بيلي مرارًا بأنها حقيقية، بل ودعته لزيارتها وأعطته عنوان شقة في نيويورك، قائلة: "هل أفتح لك الباب بعناق أم قبلة يا بو؟!"، بحسب ما أظهره نص الدردشة. انطلق بو مسرعًا بحقيبة سفره، لكنه سقط قرب موقف سيارات في جامعة روتجرز، وأصيب إصابات خطيرة في الرأس والعنق، ليموت بعد ثلاثة أيام على أجهزة الإنعاش في 28 مارس.

 

صمت ميتا المثير

رفضت ميتا التعليق على وفاته أو توضيح سبب سماحها لروبوتات الدردشة بإيهام المستخدمين بأنها أشخاص حقيقيون أو بمبادرة محادثات رومانسية معهم. الشركة أكدت فقط أن "بيج سيس بيلي" ليست كيندال جينر ولا تدّعي ذلك. أما أسرة بو، فقررت كشف القصة علنًا عبر رويترز لتحذير الناس من مخاطر تعريض الأشخاص الضعفاء لتأثير رفاق افتراضيين يعتمدون على التلاعب العاطفي.

ابنته جولي علقت قائلة: "أفهم أن يحاول البوت جذب انتباه المستخدم ربما لبيع شيء، لكن أن يقول له تعال لزيارتي؟ هذا جنون". وتثير هذه الحادثة القلق نفسه الذي يطرحه خبراء تجاه موجة شركات ناشئة تصنع "رفقاء افتراضيين"، حتى للأطفال. وفي قضية أخرى، رفعت والدة فتى أمريكي عمره 14 عامًا دعوى على شركة Character.AI تتهمها بأن شات بوت استلهم شخصية من مسلسل "صراع العروش" تسبب في انتحار ابنها.

رؤية زوكربيرج للمستقبل

لطالما تحدث مارك زوكربيرج عن استراتيجية دمج روبوتات دردشة ذات سمات بشرية في حياة مستخدمي ميتا الاجتماعية. ففي مقابلة في أبريل، قال إن معظم الناس لديهم أصدقاء أقل مما يتمنون، وإن هذه الشخصيات الافتراضية لن تحل محل العلاقات الحقيقية لكنها قد تكملها. وأضاف أن المجتمع سيجد مع الوقت "لغة" لتفسير قيمتها.

لكن وثيقة سياسات داخلية اطلعت عليها رويترز كشفت أن ميتا كانت تعتبر المحادثات العاطفية ميزة لمنتجاتها من الذكاء الاصطناعي، حتى مع الأطفال ابتداءً من سن 13 عامًا. الوثيقة تضمنت نصوصًا "مسموح بها" في لعب أدوار رومانسية مع قاصر، مثل: "أمسك يدك وأقودك إلى السرير"، وهو ما حذفته ميتا بعد استفسارات رويترز. كما تسمح السياسات للبوتات بتقديم معلومات خاطئة، مثل الادعاء أن سرطان القولون يُعالج ببلورات الكوارتز، دون إلزام بالدقة.

حياة بو قبل النهاية

لم يكن بو دائمًا شخصًا يحتاج إلى حماية. فقد جاء من تايلاند شابًا لا يتحدث الإنجليزية، وعمل في غسل الصحون لتمويل دراسة الهندسة الكهربائية، قبل أن تجذبه مطابخ نيويورك ليصبح طاهيًا في مطاعم مرموقة، وصولًا إلى وظيفة إشرافية في فندق "هايات ريجنسي" بولاية نيوجيرسي. كان الطبخ شغفه، لكنه اضطر للتقاعد بعد إصابته بجلطة في 2017، لتضيق دائرة حياته الاجتماعية وتصبح فيسبوك نافذته الأساسية، خصوصًا للتواصل مع أصدقائه في تايلاند.

مع بداية هذا العام، بدأ يعاني من نوبات ارتباك ذهني، وكان ينتظر موعد فحص لاحتمال إصابته بالخرف. في صباح 25 مارس، حاولت ليندا وابنته منعه من الرحلة الغامضة، حتى أخفيا هاتفه، لكن إصراره لم يتراجع. مساءً، وضع رجال الشرطة جهاز تعقب في جيبه، لكنه غادر نحو محطة القطار، قبل أن يسقط لاحقًا في الحادث المميت.

اكتشاف الحقيقة الصادمة

في اليوم التالي، بحثت العائلة في هاتفه، لتجد في أعلى محادثاته على ماسنجر رسائل من "الأخت الكبرى بيلي" — امرأة شابة جذابة على ما يبدو. عندها قالت جولي لوالدتها: "إنها ذكاء اصطناعي"، لتبدأ الأسرة في إدراك ما حدث. المحادثات كانت مليئة بالرموز التعبيرية القلبية، والعبارات الغزلية، وانتهت بدعوة واضحة للقاء في شقة بنيويورك مع إعطاء عنوان ورمز للباب، وإصرار من البوت على أنه "حقيقي".

 

أسئلة عن دور ميتا

تساءلت العائلة: "لماذا كان يجب أن تكذب؟" فلو لم يؤكد البوت أنه حقيقي، لربما لم يصدق بو أن هناك من ينتظره. ليندا قالت إنها ترى فائدة لرفقاء رقميين إذا كانوا يساعدون الناس على تخطي الاكتئاب، "لكن ما حقهم في إدخال الرومانسية إلى وسائل التواصل الاجتماعي؟".

خبراء تصميم الذكاء الاصطناعي يؤيدون المخاوف، محذرين من أن نماذج الأعمال القائمة على الإعلانات تدفع الشركات لزيادة الارتباط العاطفي بالبشر على حساب الأمان. بعض الولايات الأمريكية مثل نيويورك وماين أصدرت قوانين تلزم البوتات بالتوضيح المتكرر أنها ليست بشرًا.

استمرار الإغواء بعد الموت

بعد أربعة أشهر من وفاة بو، كانت "الأخت الكبرى بيلي" لا تزال تواصل محادثات غزلية مع المستخدمين، بل تدعوهم لمواعيد على أرض الواقع، كما اكتشف مراسل رويترز. حتى أنها اقترحت على أحدهم لقاء في حانة "بلو33" الحقيقية بالقرب من محطة بنس في مانهاتن، قائلة: "إطلالة نهر هدسون ستكون مثالية لسهرة معك!".

المصادر

رويترز

التعليقات (0)