رامي أبو زبيدة يكتب: أحرار العالم ينتصرون لغزة… بينما العرب يقيّدون أنفسهم

profile
د. رامي أبو زبيدة كاتب وباحث بالشأن العسكري والأمني، ورئيس تحرير «180 تحقيقات»
  • clock 2 أكتوبر 2025, 8:12:52 ص
  • تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
Slide 01
أسطول الصمود

لن يعود المشاركون في أسطول الصمود إلى بلدانهم بخُفيّ حُنين، فقد أبحروا من أجل غزة وأهلها، لا ليرفعوا أعلامًا أو يلتقطوا الصور، بل ليرفعوا راية إنسانية في زمنٍ يُباع فيه الحق ويُشترى. لقد حاولوا، قاوموا الأمواج والقيود، وربما لم يصلوا إلى الشاطئ الذي أرادوا، لكنهم بلغوا شاطئ الضمائر الحية؛ أراحوا ضمائرهم بمحاولة نصرة المظلوم، وأثبتوا أن العالم ما زال فيه أحرار لا يقايضون إنسانيتهم بالمصالح.

في المقابل، يقبع معظم الشعوب العربية في سباتٍ عميق؛ لم تُحرّكهم أشلاء الأطفال في غزة، ولا الدماء التي تغرق الشوارع، ولا انتهاك المقدسات، ولا ظلم الاحتلال، ولا حتى القهر الاقتصادي، ولا استعباد الغرب لهم ونهب ثرواتهم، ولا قصف عواصمهم. سؤالٌ موجع يفرض نفسه: ما الذي يُحرّك هؤلاء إن لم يُحرّكهم كلّ هذا؟!

لقد رأينا كيف تحركت دول بعيدة آلاف الأميال عن فلسطين؛ استدعت سفراء الاحتلال، أعلنت النفير الدبلوماسي، نظّمت إضرابات عامة، وأسمعت الاحتلال والعالم غضبها، بينما اختار عربٌ قريبون أن يقيدوا أيديهم وألسنتهم بأنفسهم، وكأن نصرة غزة تحتاج إلى إذنٍ من الجغرافيا أو إلى تصريح من القوى الكبرى!

الفارق الجوهري بين الطرفين أن الأحرار في أقاصي الأرض أدركوا أن الكرامة لها ثمن، وأن من يطلب المعالي ويصون إنسانيته لا بد أن يبذل ويدفع، بينما اختار كثيرون في محيطنا الاستكانة بحجج الخوف والمصالح والحسابات الضيقة.

العدالة لاوطن لها

ما يفعله هؤلاء النشطاء ليس مجرد تضامن رمزي، بل هو إحياءٌ لفكرة أن العدالة لا وطن لها، وأن نصرة الحق واجب لا يُشترط بعرق أو دين أو حدود. هم يبرهنون أن غزة لم تُترك وحدها إلا من جيرانها القريبين، وأن صوت الضمير الإنساني يمكن أن يعلو فوق الجغرافيا والسياسة.

إن مشهد أسطول الصمود وصدى خطوات الناشطين الأجانب يفضح عجز الأنظمة، ويعري من تاجروا بالقضية ثم قايضوها على موائد السياسة. ويعلّمنا أن من أراد نصرة المظلوم فلا بد أن يخطو، ويجازف، ويدفع ثمن الكرامة؛ فالتاريخ لا يكتب أسماء المتفرجين، بل أسماء من حاولوا وصمدوا حتى لو لم يبلغوا الغاية.

هذه المفارقة المؤلمة – أن ينتصر البعيد ويصمت القريب – تضع العرب أمام مرآة قاسية: هل سيظلون أسرى الخوف والقيود، أم سيستعيدون روحًا كانت يومًا عنوانًا للعزة والنجدة؟
الزمن كفيل بأن يُسجّل المواقف، لكنه لن يغفر لأولئك الذين امتلكوا القدرة على النصرة ولم يتحركوا.

التعليقات (0)