قراءة في الموقف الإيراني

البيان الألماني الفرنسي البريطاني حول إيران: آلية الزناد ورسائل دبلوماسية متناقضة

profile
  • clock 29 سبتمبر 2025, 3:18:55 م
  • eye 419
  • تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
Slide 01
تعبيرية

محمد خميس

أصدرت كل من ألمانيا وفرنسا وبريطانيا بيانًا مشتركًا بشأن البرنامج النووي الإيراني، أكدت فيه أن هدفها الأساسي هو منع إيران من السعي إلى امتلاك أو تطوير أسلحة نووية. البيان الذي صدر في توقيت حساس من تصاعد التوتر الإقليمي، أعاد إلى الواجهة آلية الزناد، التي تمثل أداة قانونية ضمن الاتفاق النووي لعام 2015 (خطة العمل الشاملة المشتركة)، لفرض عقوبات أممية في حال خرق طهران لالتزاماتها.

منع إيران من امتلاك السلاح النووي

شدد البيان على أن الدول الأوروبية الثلاث ترى أن الخطر الأكبر يكمن في احتمال تحوّل إيران إلى قوة نووية عسكرية. وأوضح أن هذا السيناريو لن يشكل تهديدًا لأمن الشرق الأوسط فقط، بل سيمتد تأثيره إلى الأمن والسلم الدوليين.
هذا الموقف يعكس ثبات السياسة الأوروبية حيال الملف النووي منذ توقيع الاتفاق عام 2015، إذ لطالما كان منع الانتشار النووي هدفًا استراتيجيًا للاتحاد الأوروبي والدول الغربية.

دعوة للامتثال لقرارات الأمم المتحدة

في فقرة أخرى، دعا البيان إيران وجميع الدول إلى الامتثال الكامل لقرارات مجلس الأمن والأمم المتحدة ذات الصلة. واعتبرت العواصم الأوروبية الثلاث أن هذه القرارات تمثل الأساس القانوني لأي معالجة للأزمة، وأن تجاهلها يفتح الباب أمام مزيد من التصعيد وعدم الاستقرار.

اتهام إيران بخرق الالتزامات وتفعيل آلية الزناد

أحد أبرز ما ورد في البيان هو التأكيد على أن إيران انتهكت التزاماتها مرارًا بموجب الاتفاق النووي، وهو ما دفع هذه الدول إلى القول إنه لم يكن أمامها "أي خيار سوى تفعيل آلية الزناد".
وآلية الزناد تعني عمليًا إعادة فرض العقوبات الدولية التي كانت قد رُفعت بموجب الاتفاق النووي، في حال ثبت أن طهران لم تلتزم بتعهداتها. وتثير هذه الخطوة تساؤلات كبيرة حول مستقبل الاتفاق النووي، واحتمال دخوله مرحلة الانهيار الكامل إذا لم يتم التوصل إلى تسوية جديدة.

التمسك بالدبلوماسية رغم التصعيد

ورغم لهجة التصعيد، أكد البيان أن الدول الثلاث ستواصل السعي إلى الدبلوماسية والمفاوضات مع إيران. وأوضح أن الحل السياسي هو السبيل الوحيد لتجنب سباق تسلح جديد في المنطقة، مؤكدًا الانفتاح على أي مبادرات تسمح بعودة إيران إلى طاولة المفاوضات.
هذا التناقض بين تفعيل آلية الزناد والدعوة إلى الحوار يعكس ما يمكن وصفه بـ"سياسة العصا والجزرة"، حيث تستخدم أوروبا الضغط والعقوبات لدفع إيران نحو التنازل، وفي الوقت ذاته تعرض إمكانية الحل السلمي عبر التفاوض.

الحث على تجنب التصعيد

البيان ختم رسائله بدعوة واضحة لإيران إلى عدم اتخاذ أي إجراءات تصعيدية، ومواصلة الامتثال لالتزاماتها الدولية. ويأتي ذلك بعد أن رفعت طهران مستوى تخصيب اليورانيوم في منشآتها النووية إلى مستويات مثيرة للقلق، بحسب تقارير الوكالة الدولية للطاقة الذرية.

انعكاسات إقليمية

تفعيل آلية الزناد لا يقتصر أثره على العلاقة بين إيران والدول الأوروبية فقط، بل يمتد إلى كامل منطقة الشرق الأوسط.

إسرائيل ترى أن أي تهاون مع إيران يهدد أمنها القومي، وتدفع دومًا نحو إجراءات أكثر صرامة.

دول الخليج تنظر إلى الملف النووي الإيراني باعتباره تهديدًا مباشرًا لتوازن القوى الإقليمي.

أما الولايات المتحدة، فهي تدعم عادة الموقف الأوروبي، لكنها تحتفظ بأجندة أكثر تشددًا حيال إيران، خاصة في ظل الصراعات الجارية في العراق وسوريا واليمن.

قراءة في الموقف الإيراني

من المتوقع أن ترفض إيران هذا البيان وتعتبره غير منصف، مؤكدة أنها ملتزمة بمعاهدة منع انتشار الأسلحة النووية وأن برنامجها سلمي. كما ستتهم أوروبا بالانحياز إلى الموقف الأمريكي والإسرائيلي، وبالفشل في الالتزام بتعهداتها الاقتصادية التي نص عليها الاتفاق النووي عام 2015.
لكن في الواقع، فإن سياسة طهران المزدوجة – أي الاستمرار في تطوير برنامجها النووي مع إبقاء الباب مفتوحًا أمام التفاوض – تزيد من مخاوف المجتمع الدولي، وتبرر للأوروبيين تفعيل آلية الزناد.

البعد القانوني والدبلوماسي

آلية الزناد تمثل أداة خطيرة في يد أوروبا، لأنها تعيد الملف النووي الإيراني إلى مجلس الأمن الدولي. هذا يعني أن العقوبات التي كانت قد رُفعت يمكن أن تعود بقوة، بما في ذلك العقوبات الاقتصادية والمالية التي أثّرت بشدة على الاقتصاد الإيراني.
لكن في المقابل، فإن التمسك الأوروبي بخيار المفاوضات يؤكد أن هناك إدراكًا بأن العقوبات وحدها لا تكفي، وأن الحل الحقيقي يكمن في اتفاق جديد يضمن التوازن بين الأمن الدولي والحقوق السيادية لإيران.

السيناريوهات المستقبلية

يرى محللون أن أمام الملف النووي الإيراني عدة سيناريوهات:

تصعيد متبادل يؤدي إلى انهيار كامل للاتفاق النووي وعودة شاملة للعقوبات.

مفاوضات جديدة قد تنتج اتفاقًا محدثًا يأخذ في الاعتبار التطورات الأخيرة.

إدارة الأزمة عبر خطوات متدرجة، بحيث تستمر العقوبات مع إبقاء نافذة ضيقة للحوار.

التعليقات (0)