«في حضرته لا يمكنك أن تكون كسولًا»: أتذكر صديقي نغوغي واثيونغو

profile
  • clock 1 يونيو 2025, 3:08:15 م
  • تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
Slide 01
نغوجي وا ثيونغو في منزله في أورانج، كاليفورنيا عام ٢٠٢٢.

بن أوكري - الجارديان

من بين كتّاب إفريقيا الذين برزوا في منتصف القرن العشرين، لم يكن هناك من هو أكثر انخراطًا في السياسة من نغوغي واثيونغو. وُلد في كينيا حين كانت لا تزال تحت الاستعمار البريطاني، فكان مناهضًا للاستعمار، شيوعيًّا، معاديًا للديكتاتورية، ومدافعًا – يكاد يكون بشكل متطرف – عن استخدام اللغات الإفريقية في الأدب الإفريقي. كانت أفضل أعماله تلك التي تتقاطع عند حدود السياسة والحياة الشخصية. أول كتبه في المقالات، "العودة إلى الوطن"، كان جذابًا وجداليًا في آنٍ واحد. أما رواياته المبكرة مثل "لا تبكِ يا طفل" و*"حبة قمح"* فقد تناولت تأثير الاستعمار وثورة ماو ماو على حياة الأفراد. ولعل الغريب أن نغوغي كان أكثر بروزًا حين كتب عن الشخصي والحميم، ولكن سمعته نمت من خلال مواقفه السياسية – أولًا ضد الحكومة البريطانية، ثم ضد الديكتاتورية في كينيا في السبعينيات. لم يُسجن بسبب نص سياسي ناري، بل بسبب مسرحية كتبها بلغة الكيكويو بعنوان "سأتزوج حين أريد". وفي السجن، كتب مذكراته على ورق الحمام.

لقاء أول: توقعتُ ثائرًا فوجدتُ إنسانًا ودودًا

حين التقيت به لأول مرة، كنت أتوقع أن أجد مناضلًا اشتراكيًّا غاضبًا، لكنني صادفت رجلًا ودودًا، جذّابًا، قرأ بعض كتاباتي وسألني عن تأثيراتي الأدبية. فوجئت حقًا بدفئه، وخفة ظله، وصراحته الودية. كان مرتاحًا مع البيض والسود على السواء. كان يحب الشراب، يستمتع بالمحادثات، ويحب التحدث عن الأدب حتى في أدق تفاصيله. عرفتُه أول مرة بعد خروجه من السجن، خلال إقامته في لندن. في "المركز الإفريقي"، كان محاطًا بجماعة من المناصرين السياسيين والمتعاطفين الذين أرادوا تخفيف وطأة المنفى عليه. تحدثت معه عن الأدب، وكان مهتمًا بما أقرأه. أذكر حوارًا معينًا بيننا. في ذلك الوقت، كنت قد نشرت روايتين فقط، ولم أكن تجاوزت العشرين من عمري بعد.

قال لي:
– "ما الروايات التي تقرأها؟"
أجبته:
– "كل رواياتكم."
فسألني:
– "ومن غيركم؟"
– "تولستوي، دوستويفسكي."
– "أي عمل لدوستويفسكي؟"
– "الجريمة والعقاب."
– "هل قرأت ذلك قبل أم بعد أن كتبت روايتك الثانية؟"

تجمدت في مكاني. جعلني هذا السؤال أدرك شيئًا لم أفكر فيه من قبل: العلاقة الضمنية بين عظمة الكتب التي تقرأها، وجودة الكتب التي تكتبها بعدها. شعرت فجأة بالعار، كأن الرواية التي كتبتها لا تليق بتلك القراءة العظيمة. أيًّا كانت إجابتي، فقد جاءت خجولة، منكسرة.

أسئلة بسيطة تُربكك… ولا مكان للكسل معه

كان نغوغي قادرًا على شلّك بسؤال يبدو بسيطًا. قيل إن برتولت بريخت كان كذلك أيضًا. بنغوغي، كانت ملاحظاته الرقيقة تُرغمك على تقديم إجابات متماسكة عن تساؤلاته العميقة حول الأدب الإفريقي ومسألة اللغة – سؤال الأصالة. في حضرته، لم يكن هناك مجال للكسل أو التفاهة.

لكنه لم يكن فقط جادًّا ومفكرًا. لقد كان مهتمًا أيضًا بلعبة البلياردو خاصتي، وكان كثيرًا ما يراهن عليّ في حانات "كوفنت غاردن". بين الأشواط، كنا نتحدث عن الكتب. كان يحمل إعجابًا يكاد يكون صوفيًّا بما حققه تشينوا أتشيبي في رواية "الأشياء تتداعى". عندما كان يتحدث عن زمن لم تكن فيه تُدرّس في الجامعات إلا روايات ديكنز وكونراد وأمثالهما، كان يجعلني أشعر بالإثارة التي شعر بها هو حين قرأ لأول مرة رواية عبّرت بلغة إفريقية عن شوق الناس في القارة إلى حكاياتهم.

من “جيمس نغوغي” إلى “نغوغي واثيونغو”

بحلول تلك المرحلة، أصبح نغوغي رجلًا ممتلئ الجسم قليلًا، بعيون متسائلة وضحكة جاهزة. كان غالبًا ما يرتدي قمصانًا إفريقية وسراويل غربية. وكان يخيّل إليك أنه قد أنهى معظم أفكاره السياسية مبكرًا في حياته، لكنه ظل منفتحًا على الاكتشافات الجديدة التي قادته إليها كتاباته.

بدأ نغوغي مسيرته الأدبية باسم جيمس نغوغي، وتحوّل لاحقًا إلى نغوغي واثيونغو. بدأ الكتابة بالإنجليزية، وانتهى به المطاف يكتب بلغة الكيكويو، وكثيرًا ما اضطر لترجمة نصوصه بنفسه. ورغم مواقفه الرافضة للرأسمالية، فقد أصبح من أكثر الكتّاب الأفارقة احتفاءً به في الولايات المتحدة. وفي كل هذا المسار، بقي نغوغي ذلك الرجل المحبوب، من دون تكلّف، يحمل دائمًا إحساسًا صادقًا تجاه الناس البسطاء.

السنوات الأخيرة: حلم نوبل وبهجة البيانو

في أواخر حياته، أصبح نغوغي من الأسماء المرشحة الدائمة لجائزة نوبل، ومع كل أكتوبر، كان عليه أن يتحمّل صعود وهبوط التوقعات، تمامًا مثل بورخيس. كما أن مآسي العائلة أظلمت بعض سنواته الأخيرة. ومع ذلك، فإن أكثر ذكرياتي تأثيرًا عنه كانت في إحدى كليات جامعة كامبريدج خلال مؤتمر نظمته مجلة "كالالو". بدأنا حديثًا عن الموسيقى والأدب، وفاجأني بقوله إنه بدأ يتعلّم عزف البيانو للمرة الأولى. كان حينها في منتصف السبعينيات من عمره. تحدث عن دهشته من الانتقال من العجز التام إلى القدرة، خلال بضعة أشهر فقط، على عزف بعض مقطوعات موزارت، وشوبان، وباخ. كان من المؤثر أن ترى هذا الثائر المخضرم يتلألأ وجهه بشغف الشباب وهو يتحدث عن مهارة جديدة اكتسبها. صادف أن كان هناك بيانو في ركن القاعة، فتوجهنا إليه. وما زلت أراه حتى اليوم في ذهني، ببسمة خفيفة على وجهه، بينما تنساب نغمات باخ برقة في أرجاء القاعة.


هام : هذا المقال يعبر فقط عن رأي الكاتب ولا يعبر عن رأي فريق التحرير
التعليقات (0)