بعد جريمة قتل في مسجد

مسلمو فرنسا يواجهون تعتيمًا رسميًا على العنف "الإسلاموفوبي"

profile
  • clock 1 مايو 2025, 1:44:05 م
  • تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
Slide 01
متظاهر يحمل صور أبوبكر سيسيه، وهو أحد المصلين الذي طُعن عدة مرات في لا غران كومب في 25 أبريل 2025، في باريس في 1 مايو 2025 (وكالة فرانس برس)

لا يزال جيلالي ضافر، أحد سكان قرية لا غراند كومب بالقرب من أليس في جنوب فرنسا، في حالة صدمة وذهول بعد الفاجعة التي ضربت أحد الأحياء المجاورة قبل أيام قليلة. ففي مسجد "كاديدجا" الصغير في حي تريسكول، حيث اعتاد ضافر الصلاة، وقعت جريمة وحشية لا يمكن تصوّرها.

في صباح يوم الجمعة، حوالي الساعة الثامنة والنصف، دخل أوليفييه هادزوفيك، وهو شاب فرنسي-بوسني يبلغ من العمر 20 عامًا، إلى المسجد حيث استقبله ضحيته المستقبلية، أبوبكر سيسيه، وهو شاب مالي يبلغ من العمر 23 عامًا، كان يقوم بتنظيف المسجد استعدادًا لصلاة الجمعة. بعد دقائق، أظهرت كاميرات المراقبة الاثنين في قاعة الصلاة، حيث انحنى سيسيه في السجود بينما تظاهر هادزوفيك بتقليده، قبل أن يستل سكينًا ويوجه له 57 طعنة في ظهره.

روى ضافر لموقع "ميدل إيست آي": "بعد الجريمة، صوّر القاتل نفسه في حالة من الابتهاج، وهو يسبّ الله عمداً لترك بصمة إسلاموفوبية على فعله الوحشي". وفي مقطع فيديو نشره على سنابشات، أعلن القاتل بفخر مسؤوليته: "لقد فعلتها، لقد فعلتها"، ثم تلفّظ بكلمات غير مفهومة قبل أن يضيف: "اللهكم التافه، اللهكم التافه".

جريمة كراهية بلا مواربة... ورفض رسمي للاعتراف

بالنسبة لعبد الله زكري، نائب رئيس المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية ورئيس مرصد مكافحة الإسلاموفوبيا، فإن وصف هذه الجريمة يجب أن يكون واضحًا لا لبس فيه. وقال: "هذه جريمة كراهية ضد المسلمين، الأسوأ على الإطلاق التي تُرتكب في فرنسا ضد مجتمعنا". وأضاف: "بعد تدنيس المقابر، وتخريب المساجد والمحال التجارية، والإهانات والاعتداءات الجسدية، ها هم اليوم يقتلون المصلين داخل المساجد".

ويرى زكري أن هذه الجريمة ليست سوى نتيجة مباشرة لتصاعد خطاب التحريض ضد المسلمين في فرنسا، إذ أصبحت وصمة الإسلام جزءًا من الخطاب السياسي والإعلامي السائد. 

وتابع قائلاً: "من الصباح حتى المساء، لا يتوقف الإعلام اليميني المتطرف عن مهاجمة المسلمين. تفتح التلفاز، فلا تسمع سوى الإسلام، المسلمون، المهاجرون، أوامر الطرد... لا حديث عن غير هذا". واختتم بتحذير: "نحن المسلمون نُتهم بكل الشرور ونُقدّم كأعداء لفرنسا، بينما العنف الذي نتعرّض له يتم تجاهله بالكامل".

المحاولة المتعمدة لنفي الطابع الإرهابي

بعد ثلاثة أيام من الفرار، سلّم القاتل نفسه للشرطة في إيطاليا، بالقرب من مدينة فلورنسا. لكن محاميه الإيطالي، جيوفاني باتيستا سالفيتي، سارع إلى نفي الدافع الديني للجريمة. وصرّح: "سألناه لماذا قتل مسلمًا؟ فأجاب بأنه لم يقتل مسلمًا، بل أول شخص صادفه. كون الضحية مسلمًا كان محض مصادفة". وأضاف المحامي أن موكله "لا يتذكر شيئًا عن الجريمة أو المسجد، ويزعم أنه استيقظ مقتنعًا بأنه يجب أن يقتل أحدًا".

غير أن هذه التبريرات أثارت غضب سكان المنطقة. وقال ضافر غاضبًا: "سيقولون مجددًا إن القاتل مختل عقليًا. هذا هو السيناريو المعتاد في جرائم الكراهية ضد المسلمين". أما إبراهيم سيسيه، ابن عم الضحية، فرفض تمامًا هذا الطرح، مؤكداً: "ما حدث هو هجوم إرهابي مدبّر. القاتل جاء عن قصد ليقتل شخصًا في مسجد. لا نقبل أن يُقال إن هذا عمل جنون. بالنسبة لنا، أبوبكر كان ضحية هجوم إرهابي".

المحامي الموكل عن عائلة الضحية، مراد باتيك، أيّد هذا الموقف، وقال في بيان: "كل المعطيات المتوفرة تؤكد بما لا يدع مجالًا للشك أن ما حدث كان هجومًا إرهابيًا"، مطالبًا النيابة العامة المختصة بقضايا الإرهاب بتولّي التحقيق فورًا. لكن على الرغم من ذلك، لم تُدرج السلطات الفرنسية الدافع الإرهابي ضمن التحقيقات، بل اكتفت بفتح تحقيق في "جريمة قتل متعمّد بدافع ديني أو عنصري".

نفي رسمي وعجز حكومي مفضوح

بينما كانت عائلة الضحية وممثلو الجالية المسلمة يطالبون بالعدالة، سارع وزيران في الحكومة الفرنسية — وزير الداخلية برونو ريتايو ووزير ما وراء البحار إيمانويل فالس — إلى نفي وجود أي طابع إسلاموفوبي في الجريمة. بل ذهب فالس إلى أبعد من ذلك قائلاً: "الإسلاموفوبيا مصطلح اخترعه الملالي الإيرانيون قبل 30 عامًا".

هذا النفي أثار موجة غضب عارمة، لا سيما بعدما استخدم رئيس الوزراء فرانسوا بايرو المصطلح نفسه صراحةً، وكتب على منصة "إكس": "فظاعة الإسلاموفوبيا ظهرت في فيديو".

وفي مواجهة هذا التناقض والتجاهل الرسمي، خرج المئات في تظاهرات في لا غراند كومب وباريس بعد يومين من الجريمة. وفي مسيرة صامتة، عبّر زكري عن الحزن العميق في أوساط المسلمين قائلاً: "الناس يشعرون بأنهم مستهدفون. لا يشعرون بالأمان في أي مكان".

وفي باريس، خاطبت إحدى السيدات باكية زعيم حزب "فرنسا الأبية" اليساري، جان لوك ميلانشون: "سيد ميلانشون، نحن المسلمين لم نعد نشعر بالأمان. نخرج من بيوتنا والخوف في قلوبنا. لقد تم تجاوز الخط الأحمر". وقد أبدى ميلانشون تعاطفه الكامل معها، محملًا المناخ السياسي المعادي للمسلمين مسؤولية هذه الجريمة. وقال: "عندما يقول وزير الداخلية في اجتماع ضد الإسلاموية ’تسقط الحجاب‘، هل يمكن أن نتخيل أحدًا يصرخ ’تسقط الصلبان؟‘" واتهم الوزير ريتايو بتأجيج الكراهية ضد المسلمين.

تصاعد مقلق في الاعتداءات على المسلمين... وأرقام لا تعكس الواقع

يرى الباحث الفرنسي فينسنت غيسر، مؤلف كتاب "الإسلاموفوبيا الجديدة" ومدير معهد الدراسات حول العالمين العربي والإسلامي، أن شخصيات مثل ريتايو وفالس تتحمل مسؤولية أخلاقية عن تصاعد هذه الاعتداءات. وقال لموقع MEE: "هم يغذّون الخوف من الإسلام ويروّجون لفكرة أسلمة المجتمع الفرنسي".

ويشير غيسر إلى أن هذه الشخصيات السياسية تتعمّد التهوين من شأن الجرائم ضد المسلمين وتصويرها على أنها مجرد أعمال جنائية عادية. وعلّق على تصريح ريتايو الذي قال فيه: "في فرنسا، هناك ثلاث جرائم قتل يوميًا، وبعضها فظيع، وأنا لا أذهب في كل مرة للقاء أسر الضحايا"، معتبراً أن هذا الرد يكشف عن ازدواجية صارخة في المعايير.

في الساعات التي تلت الجريمة، روّجت بعض وسائل الإعلام والمسؤولين لرواية زائفة تزعم أن الحادث ناتج عن شجار بين مصلّين، حيث نقلت بعض القنوات أن "مصليًا طعن مصليًا آخر في مسجد"، في سردية تتعمد التعتيم على الدافع العنصري والديني للجريمة. وقال غيسر: "هذا يكشف عن رؤية قبلية ومجتمعية للأحداث. نحن لا نتعامل بجدية مع الجرائم العنصرية ضد المسلمين، ولا نعترف بحقهم في أن يكونوا ضحايا".

وفي البرلمان، دعت بعض النائبات اليساريات وزير الداخلية للاستقالة، وقالت النائبة عن حزب الخضر سابرينا سباهي: "لقد أشعلتم نيران الكراهية، واليوم الكراهية قتلت من جديد".

وبحسب بيانات الإدارة الوطنية للاستخبارات الإقليمية، فقد تم تسجيل 79 حادثًا معاديًا للمسلمين منذ يناير الماضي، أي بزيادة 72% مقارنة بالربع الأول من عام 2024. غير أن زكري يؤكد أن هذه الأرقام لا تعكس الحقيقة، موضحًا: "الناس لا يقدمون شكاوى لأنهم يعلمون أن الشرطة ستغلق القضية بحجة عدم تحديد الفاعل".

وفي فبراير، أطلقت وزارة الداخلية الفرنسية بالتعاون مع منظمة "آدام" منصة لرصد الاعتداءات ضد المسلمين، إلا أن الجهات القائمة عليها تطالب اليوم الحكومة الفرنسية بالاعتراف بـ"الإسلاموفوبيا كتهديد كبير للجمهورية".

المصادر

ميدل إيست آي

التعليقات (0)