تفشي الوباء وسط الحصار والنزوح

حمى شوكية تفتك بأطفال غزة وسط انهيار صحي ومعيشي شامل

profile
  • clock 3 يوليو 2025, 11:01:56 ص
  • eye 420
  • تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
Slide 01
تعبيرية

محمد خميس

أحمد.. طفل ينام فوق الأرض بانتظار النجاة

في زاوية مظلمة من مستشفى مكتظ في غزة، وعلى أرضية باردة لا تصلح حتى للجلوس، يرقد الطفل أحمد، ذو الأربع سنوات، بجسدٍ محموم وعينين نصف مفتوحتين لا تدركان شيئًا. فوق رأسه، تقف والدته، عتاب فتحي، بالدعاء وحده، بعد أن أبلغها الأطباء بإصابته بالحمى الشوكية البكتيرية – أحد أخطر الأمراض التي قد تُصيب الأطفال وتُهدد حياتهم بمضاعفات مدمّرة.

لكن مرض أحمد ليس حالة فردية، بل هو جزء من مشهد أكبر وأكثر كارثية تعيشه غزة منذ شهور، حيث اجتمع الجوع والنزوح وتلوث المياه مع الانهيار التام للمنظومة الصحية، في ظل استهداف ممنهج للبنى التحتية من قبل الاحتلال.

تفشي الوباء وسط الحصار والنزوح

وفقًا لمجمع ناصر الطبي في خان يونس، تم تسجيل 35 حالة مؤكدة من الحمى الشوكية خلال أيام قليلة، بمعدل يتراوح بين 8 إلى 10 إصابات يوميًا. ويحذر الأطباء من أن هذه الأرقام مرشحة للارتفاع بشكل خطير إذا استمر الوضع الحالي، حيث تواجه المستشفيات اكتظاظًا خانقًا، ونقصًا حادًا في الأدوية والمستلزمات الطبية، وغيابًا لأبسط أدوات التشخيص.

وفي ظل هذا التدهور، اضطر الأطباء إلى وضع الأطفال المصابين على الأرض، ما يزيد من معاناتهم ويضاعف احتمالية الإصابة بمضاعفات خطيرة، خاصة أن المرض بكتيري وليس فيروسي، أي أكثر فتكًا وانتقالًا.

مياه البحر الملوثة... مصدر غير متوقع للعدوى

المأساة لا تقف عند حدود المستشفى. فالكثير من الإصابات، وفق ما تبين، تعود إلى استخدام سكان الخيام لمياه البحر الملوثة، بعد أن دمّرت محطات الصرف الصحي بفعل العدوان، مما أدى إلى ضخ المجاري مباشرة في البحر. وهكذا، تحول الشاطئ من متنفس للأطفال إلى بؤرة لتفشي الأوبئة.

وتقول الأم عتاب، التي نزحت إلى خيمة على شاطئ المواصي: "نغسل أواني الطعام بمياه البحر... نحمم أطفالنا فيه... لا ماء نظيف، لا بديل". وتضيف بأسى: "أخشى أن أفقد طفلي… أراه يضعف أمامي ولا أستطيع فعل شيء".

نداءات عاجلة واستجابة غائبة

رغم إطلاق عشرات النداءات للمنظمات الإنسانية، لا تزال المستشفيات تفتقر لأجهزة التشخيص والمضادات الحيوية الأساسية، فيما تزداد الإصابات يومًا بعد يوم. ويقول طبيب في قسم الأطفال: "لم يعد لدينا ما نفعله سوى المحاولة اليائسة في إنقاذ من يمكن إنقاذه... المرضى ينامون على الأرض، المناعة منهارة، والعدوى تنتشر بسرعة".

الطفل أحمد لا يعرف الأرقام... بل الألم فقط

وسط الأرقام المتزايدة والتقارير الدولية، يظل أحمد مجرد طفل لا يفهم سوى أنه يتألم. يريد أن يتوقف الصداع، أن يعود للعب، أن يحظى بسرير ودواء، لكن غزة لم تعد تمنح أطفالها سوى الألم منذ شهور.

هذه ليست أزمة إنسانية... بل جريمة ضد الطفولة

ما يحدث في غزة ليس مجرد "أزمة"، بل جريمة مكتملة الأركان: استهداف للبنى التحتية، حصار شامل، تجويع ممنهج، وبيئة صحية مدمّرة. وإذا لم يتم فتح ممرات إنسانية عاجلة، وتوفير الأدوية والمعدات الطبية اللازمة، فإن المزيد من الأطفال سيقعون ضحايا لموجات جديدة من الموت البطيء.

في غزة، المرض ليس قدرًا، بل نتيجة لحرب شرسة تُشن على الحياة نفسها. وأمام هذا الصمت الدولي، لا يملك الطفل أحمد سوى أن ينام على الأرض... دون أن يعلم إن كان سيستيقظ في الغد.

التعليقات (0)