تحول نوعي في معاملة العملاء: المقاومة تقلب الطاولة في وجه المستعربين

profile
  • clock 30 مايو 2025, 1:58:41 م
  • تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
Slide 01

متابعة: عمرو المصري

في مشهد غير مسبوق من الصرامة والحزم، بثت كتائب القسام، الجناح العسكري لحركة حماس، مشاهد صادمة لاستهداف وقتل مجموعة من المستعربين والعملاء المرتبطين بجيش الاحتلال شرق مدينة رفح، جنوب قطاع غزة. هذه المشاهد لا تروي فقط عملية أمنية ناجحة، بل ترسم ملامح مرحلة جديدة في تعامل المقاومة مع فئة تُعدّ الأخطر على الإطلاق: العملاء المحليون الذين انخرطوا في شبكة من التآمر والخيانة، وارتضوا أن يكونوا أدوات رخيصة في يد المحتل، ينهبون، ويزرعون، ويغدرون من خلف ستار.

 

العملاء.. وجه الاحتلال المتخفي

بحسب مصدر أمني في المقاومة تحدث لقناة الجزيرة، فإن المجموعة المستهدفة كانت تتبع لما تُسمى "عصابة أبو شباب"، وهو اسم يتردد كثيرًا في أروقة الحديث الأمني في رفح. عناصر هذه العصابة لم يكتفوا بتوفير معلومات للاحتلال، بل تورطوا ميدانيًا في تمشيط المنازل، والكشف عن الأنفاق، ورصد تحركات المقاومين، بل وصل الأمر إلى زراعة المتفجرات بأنفسهم، والعمل كـ"فاحصين" ميدانيين قبل تقدم قوات الاحتلال. بكلمات أخرى، كانوا جسدًا فلسطينيًا بروح صهيونية كاملة، يُسخّر لخدمة آلة الحرب الإسرائيلية من الداخل، دون أدنى اعتبار لمعاناة أهلهم أو لدماء أطفال غزة التي تنزف ليلًا ونهارًا.

الطُعم البشري: وظيفة الخونة في خدمة الاحتلال

الجيش الإسرائيلي، كعادته، لم يجد غضاضة في استخدام هؤلاء العملاء كدروع بشرية وطُعم حيّ، يزجّ بهم في الخطوط الأمامية لتفقد المواقع المشبوهة، واختبار المنازل المفخخة، والتعرض للخطر بدلاً من جنوده. هذه الوظيفة "المنحطة" لم تكن نتيجة غباء إسرائيلي، بل هي عقيدة متجذّرة لدى الاحتلال الذي طالما احتقر العرب، حتى أولئك الذين يخدمونه، إن لم يكن خصوصًا أولئك. وفي المشاهد التي بثت، يظهر أحدهم وهو يفقد رأسه حرفيًا بانفجار قاتل، في رسالة صريحة لا لبس فيها من المقاومة: من اختار العمالة لن يجد سوى الموت، لا الرحمة.

تصفية بلا هوادة.. المقاومة تكسر حاجز المواربة

هذه العملية، التي استخدمت فيها عبوة ناسفة فجّرت منزلاً يتحصّن فيه العملاء، تمثل تحوّلاً دراماتيكيًا في أسلوب التعامل مع هؤلاء، ليس فقط من حيث الحسم الميداني، بل في الرسالة السياسية والأمنية التي تحملها. لأول مرة يتم تصوير وتصنيف هؤلاء كمكون أساسي من الاحتلال، لا كمجرمين منفصلين أو "ذئاب منفردة"، بل كمكوّن من منظومة الاحتلال التي يجب استئصالها تمامًا، دون تفريق بين العسكريين والمخبرين والمدنيين المتورطين. مصدر في المقاومة أكد أن كل من يعمل في خدمة الاحتلال، أمنيًا أو لوجستيًا، سيتم التعامل معه كجندي إسرائيلي، ولن تحميه قبيلته، ولا غطاؤه العشائري، ولا عباءته "الإنسانية" المزعومة.

لماذا هذا التحول الآن؟

لم تأتِ هذه السياسة الجديدة من فراغ. فالحرب الإسرائيلية على غزة، التي تجاوزت الآن شهورها الثمانية، كشفت حجم الخيانة المتغلغلة في بعض الجيوب الاجتماعية، واستغلال بعض الأفراد لحالة الفوضى في الجنوب للنهب والوشاية وتجارة المعلومات. ولأن الاحتلال لم يحقق أي إنجاز عسكري يُذكر في رفح سوى بمساعدة هؤلاء، فإن تصفيتهم أصبحت ضرورة استراتيجية، لا مجرد إجراء انتقامي.

ووفق مصادر المقاومة، فإن هؤلاء العملاء لم يكونوا يتحركون عشوائيًا، بل ضمن بنية منظمة من "الاستحلال الداخلي"، قوامها جمع المعلومات، تهريبها، تهيئة الأرض للغزو، والمشاركة الميدانية بملابس مدنية. وبما أن الجيش الإسرائيلي انسحب من معظم مناطق رفح، فإن استمرار هؤلاء في عملهم لم يكن ليُفسّر إلا كشكل جديد من الاحتلال غير الرسمي، الذي يعوّض غياب الدبابة والجندي بوجود العميل والمندس.

العملاء أرخص من الإسعاف.. والاحتلال لا يُخفي احتقاره لهم

المشاهد التي عرضت لجثث هؤلاء العملاء المتفحمة، والنازفة لساعات دون أي محاولة من الاحتلال لإجلائهم أو حتى الاعتراف بمقتلهم، تعكس أمرًا جللاً: حتى الاحتلال نفسه لا يعبأ بأدواته البشرية. فالمجرمون الذين يُستخدمون ككلاب تتعقب الروائح وتدخل أولًا لتتحمل الانفجار، ليس لهم عند قادتهم قيمة تُذكر. لم ترسل إسرائيل لهم إسعافًا، ولم تطلق بيانًا، ولم تعلن حتى عن أسمائهم، فهم مجرد أرقام في قائمة أدوات تنتهي صلاحيتها بانتهاء المهمة.

عملاء السلطة الفلسطينية

وفي هذا السياق، قال رامي عبده، مؤسس ورئيس المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان، إن الفيديو الذي نشرته المقاومة قبل قليل لاستهداف عناصر من المستعربين "يعود في الحقيقة إلى منتصف الشهر الماضي"، مشيرًا إلى أن المعلومات المتوفرة تفيد بأن "العناصر التي تم تصفيتها تضم أفرادًا من أجهزة السلطة الفلسطينية، من بينهم ضابط برتبة نقيب وآخر برتبة مساعد، واثنان برتبة رقيب". وأضاف عبده أن "المتوقع من السلطة الفلسطينية وحركة فتح أن تبادرا إلى رفع الغطاء عن هؤلاء والتبرؤ من أفعالهم الخيانية بشكل واضح وصريح"، محذرًا من أن التستر على مثل هذه الجرائم أو التزام الصمت حيالها "يمثّل مشاركة ضمنية في جريمة تمسّ مباشرة صمود المجتمع الفلسطيني تحت الاحتلال".

العرب الخاذلون والعملاء الخونة.. وجهان لعملة واحدة

في الوقت الذي تُصدر فيه المقاومة هذا الحكم القاسي والعادل على من يخون، نجد الأمين العام لجامعة الدول العربية يطل من مدريد ليعلن بكل برود أن "قطع العلاقات مع إسرائيل ليس حكيمًا"، وكأن الدم الفلسطيني يحتاج لمزيد من التفاوض! كيف يمكن مقارنة هذا الموقف الرسمي العربي المهترئ، بموقف القسام الميداني الصلب؟ كيف تتبنى دولة أوروبية مثل إسبانيا سياسة المقاطعة والعقاب، بينما يتحدث أحمد أبو الغيط عن "أهمية التواصل" مع القاتل، ويتغنّى بعلاقات لا حياة فيها ولا كرامة؟

إن كان الخائن المحلي يُعدّ جسدًا مغروسًا في قلب الأمة، فإن الخذلان العربي الرسمي هو الغطاء الذي يحميه، ويبرر وجوده. وبين الاثنين، يدفع الشعب الفلسطيني ثمنًا فادحًا، بينما لا يزال صوت الرصاص المقاوم هو الصوت الوحيد الذي يقول الحقيقة: لا مكان للخونة، ولا تفاوض مع القتلة، والمقاومة وحدها هي التي تعيد تعريف الكرامة.

الكلمة الأخيرة: لا خيمة تحمي الخيانة

لقد قررت المقاومة، كما تؤكد هذه العملية، أن زمن التساهل انتهى، وأن من يرتبط بالاحتلال – مهما كانت صفته أو خلفيته – لن يُعامل كفرد ضال، بل كعدو مركزي. لم يعد ثمة مساحة للتسامح مع "الوجه المدني" للاحتلال، كما لم تعد هناك مبررات لتحمّل عصابات الغدر والنهب في رفح أو غيرها. إنها معركة تحصين الداخل، وإنهاء الاستحلال غير المرئي، لتبقى غزة عصيّة، نظيفة، ومستعصية على الاختراق، ما دام في ميدانها رجال لا يخشون القصاص، ولا يرحمون من باع أهله.

التعليقات (0)